فصل: الشاهد الثاني والخمسون بعد التسعمائة(br)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب ***


الشاهد الثاني والخمسون بعد التسعمائة

وهو من شواهد س‏:‏ المتقارب

فإما تريني ولي لمةٌ *** فإن الحوادث أودى بها

على أن إن الشرطية المقرونة بما الزائدة، يلزم توكيد شرطها بالنون عند الزجاج‏.‏ وترك توكيد جيد عند غيره‏.‏

وهذا البيت يدل لغير الزجاج، فإنه لم يؤكد فعل الشرط فيه‏.‏

قال ابن الناظم‏:‏ وأما الشرط بإما فتوكيده بالنون جائز، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فإما تثقفنهم في الحرب‏}‏، وإما تخافن من قومٍ خيانة ‏.‏ وقد تخلو من التوكيد بها‏.‏

كما في قوله‏:‏

فإما تريني ولي لمةٌ البيت

وقول إلخ ر‏:‏ البسيط

يا صاح إما تجدني عير ذي جدةٍ *** فما التخلي عن إلخ لان من شيمي

انتهى‏.‏

وقال ابن هشام في المغني‏:‏ يقرب التوكيد من الوجوب بعد إما‏.‏ وذكر ابن جني أنه قرئ‏:‏ فإما ترين بياء ساكنة بعدها نون الرفع على حد قوله‏:‏ البسيط

لم يوفون بالجار

ففيها شذوذان‏:‏ ترك نون التوكيد، وإثبات نون الرفع مع الجازم‏.‏ انتهى‏.‏

وقد استشهد به سيبويه على حذف التاء من أودت، فإن فاعله ضمير الحوادث، وفي مثله يجب التأنيث، فتركه الشاعر لضرورة الشعر‏.‏

قال الأعلم‏:‏ دعاه إلى حذفها أن القافية مردفة بالألف، وسوغ له حذفها أن تأنيث الحوادث غير حقيقي، وهي في معنى الحدثان‏.‏ وقال ابن خلف‏:‏ ذكر أودى، وفيه ضمير الحوادث، وهو يحتمل وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون حمل الحوادث على معنى الحدثان فذكر، وعلى حذف مضاف، كأنه قال‏:‏ فإن مر الحوادث أودى بها‏.‏ والوجه الأول أجود في القياس‏.‏

فإن قيل‏:‏ فهلاَّ قال‏:‏ أودت بها‏؟‏ وما الضرورة إلى ذلك‏؟‏ فالجواب أن القوافي مردفة بالألف، فلو قال أودت لذهب الردف، وهو الألف، وذهبت القافية‏.‏

وروي أيضاً‏:‏

فإن تنكري لامريءٍ لمةً

وروي‏:‏

فإما تري لمتي بدلت

وروي أيضاً‏:‏ فإن تعهديني ولي لمةٌ يريد‏:‏ أن القافية مؤسسة‏.‏ والتأسيس هو الألف الواقع قبل حرف الروي وهو الباء هنا‏.‏

واللمة بالكسر‏:‏ الشعر الذي يلم بالمنكب‏.‏ والحوادث‏:‏ جمع حادثة‏.‏

وأودى بها‏:‏ ذهب بها، والمراد ذهب بمعظمها، لأن قوله‏:‏ ولي لمة‏:‏ حال من الياء، ومحال أن تكون له لمة في حال قد ذهب الحوادث بجميعها‏.‏

ومعنى أودى بها‏:‏ ذهب ببهجتها وحسنها‏.‏ ومعنى بدلت‏:‏ ذهب بعضها بالصلع وشاب بقيتها، فإن جوادث الدهر أهلكتها‏.‏ يعني أن مرور الدهر يغير كل شيء‏.‏

وقال العيني‏:‏ لم يقل‏:‏ أودت، لأن تأنيث الحوادث مجازي لأنه جمع، واسم الجمع، واسم الجنس كلها تأنيثها مجازي، لأنهن في معنى الجماعة، والجماعة مؤنث مجازي‏.‏

ولأجل هذا جاز التأنيث في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كذبت قبلهم قوم نوحٍ‏}‏ والتذكير أيضاً، نحو‏:‏ وكذب به قومك ، هذا كلامه، وكأنه لم يعرف الفرق بين الإسناد إلى مجازي التأنيث الظاهر، وبين الإسناد إلى ضميره‏.‏ والرؤية هنا بصرية‏.‏

وقوله‏:‏ ولي لمة، أي‏:‏ لمة مغيرة‏.‏ وقوله‏:‏ فإن الحوادث إلخ ، هذا علة الجواب المحذوف، والتقدير‏:‏ فلا عجب، فإن الحوادث‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ ‏.‏

والبيت من قصيدة للأعشى ميمون، مدح بها أساقفة نجران، وقبله‏:‏

لجارتنا إذ رأت لمتي *** تقول‏:‏ لك الويل أنى بها

بما قد ترى كجناح الغد *** ف ترنو الكعاب لإعجابها

فإما تريني إلخ ‏.‏

وجارة الرجل‏:‏ زوجته‏.‏ وقوله‏:‏ أنى بها، أي‏:‏ كيف صنعت بها حتى تغيرت كذا‏.‏

ووقله‏:‏ بما قد ترى إلخ ، الباء سببية متعلقة بترنو، وهي مكفوفة بما، وترى بالبناء للمفعول، ونائب الفاعل ضمير اللمة والغداف بضم الغين المعجمة‏:‏ الغراب الأسود‏.‏

وترنو‏:‏ نديم النظر‏.‏ والكعاب، بفتح الكاف‏:‏ الجارية التي نهد ثديها وارتفع، ويقال الكاعب أيضاً‏.‏ والإعجاب‏:‏ مصدر أعجبه الشيء، أي‏:‏ استحسنه‏.‏

ومن أبياتها يخاطب ناقته‏:‏

فكعبة نجران حتمٌ علي *** ك حتى تناخي بأبوابها

تزوري يزيد وعبد المسيح *** وقيساً هم خير أربابها

وكعبة نجران‏:‏ هي ذو إلخ لصة، وهدمها جرير بن عبد الله، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ويزيد هو ابن عبد المدان الحارثي، وقيس هو ابن معد يكرب الكندي‏.‏

ومن أبياتها‏:‏ المتقارب

وكأسٍ شربت على لذةٍ *** وأخرى تداويت منها بها

لكي يعلم الناس أني امرؤٌ *** أتيت المعيشة من بابها

وهو أول من ابتكر هذا المعنى، وأخذه قيس بن ذريح، فقال‏:‏ الطويل

تداويت من ليلى بليلى من الهوى *** كما يتداوى شارب إلخ مر بالخمر

وأخذه أبو نواس أيضاً فأحسن، وقال‏:‏ البسيط

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء *** وداوني بالتي كانت هي الداء

وترجمة الأعشى تقدمت في الشاهد الثالث والعشرين من أوائل الكتاب‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الثالث والخمسون بعد التسعمائة

الطويل

إذا قال قطني قلت بالله حلفةً *** لتغنن عني ذا إنائك أجمعا

على أن الفراء نقل عن طيئ أنهم يحذفون الياء الذي هو لام في الواحد المذكر بعد الكسر والفتح، في المعرب والمبني‏.‏

والمعرب‏:‏ هو المضارع، وهو معرب قبل اتصال النون به، ويكون ما قبله الياء فيه مكسوراً، نحو‏:‏ ليرمن زيد‏.‏

وكقول الشاعر‏:‏

لتغنن عني البيت

ومفتوحاً، نحو‏:‏ ليخشن زيد‏.‏ والأصل وهو الكثير الاستعمال ليرمين ولتغنين وليخشين، فحذفوا الياء، وبقيت الكسرة والفتحة على حالهما‏.‏

والمبني‏:‏ هو الأمر، وكذلك يكون ما قبل الياء فيه مكسوراً، نحو‏:‏ ارمن، وكقول الشاعر‏:‏ البسيط

وابكن عيشاً تقضي بعد جدته *** طابت أصائله في ذلك البلد

ومفتوحاً، نحو‏:‏ اخشن يا زيد، والأصل ارمين، وابكين، واخشين، فحذفت الياء كذلك‏.‏

وغير طيئ يبقون الياء أيضاً على حالها‏.‏

هذ تقرير كلامه‏.‏ وأراد بفعل الواحد المذكر أن لا يتصل به ضمير مؤنث، فيدخل فيه‏:‏ لتخشن الجماعة وأن أنث بالتاء من أوله‏.‏ ولم يستشهد لمفتوح الياء فيهما بشيء‏.‏

وقد جاء في الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها ، رواه أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب، والترمذي‏.‏

قال التوربشتي‏:‏ هو على بناء المفعول، والحقوق مرفوع، هذه هي الرواية المعتد بها‏.‏

ويزعم بعضهم ضم الدال ونصب الحقوق، والفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به، والصحيح الأول‏.‏

قال الطيي‏:‏ إن كان الرد لأجل الرواية فلا مقال، وإن كان بحسب الدراية، فإن باب التغليب واسع، فيكون قد غلب العقلاء على غيرهم، وجعل حتى غاية بحسب التغليب‏.‏ انتهى‏.‏

وقد أنمر ابن مالك الرواية الأولى، وقال‏:‏ لا تصح في العربية، وكان الواجب لتؤدين الحقوق بإثبات الياء‏.‏

وهو في هذا معذور، فإن لغة طيئ في حذف الياء إذا كانت لام الفعل في الواحد المذكر غير مشهورة، ولم أر نقلها عن الفراء عنهم إلا من الشارح المحقق، وهو ثقة فيما ينقله‏.‏

وإنما المشهور عن الفراء عنهم حذف ياء الضمير بعد الفتحة‏.‏

قال ابن مالك في التسهيل‏:‏ وحذف آخر الفعل إن كان ياء لغة فزارية‏.‏ ثم قال‏:‏ وحذف ياء الضمير بعد الفتحة طائية‏.‏

قال شراحه في الأول‏:‏ المشهور في لسان العرب فتح آخر الفعل صحيحاً كان ومعتلاً إلا فزارة فانهم يحذفونها إذا تلت كسرةً، فإنهم يقولن‏:‏ ارمن وليرمن زيد، وغيرهم‏:‏ ارمين وليرمين‏.‏

وقالوا‏:‏ في الثاني‏:‏ لغة العرب الياء بعد الفتحة تثبت متحركة بالكسر ولا تحذف يقولون‏:‏ هل تخشين يا هند‏.‏ ونقل الفراء عن طئ أنهم يحذفونها فيقولون‏:‏ اخشن يا هند‏.‏

قال السمين في شرحه‏:‏ لم يتعرض المصنف لحركة ما قبلها حين حذفها، هل تبقى الفتحة، وتكسر دلالةً على الياء‏؟‏ وهذا الذي ينبغي‏.‏ انتهى‏.‏

وما نسبه ابن مالك إلى فزارة نسبه ثعلب إلى طيئ‏.‏ قال ثعلب في الجزء الحادي عشر من أماليه بعد ما روى البيت لتغني‏:‏ ويروى‏:‏ لتغنن، وهذا إنما يكون للمرأة، إلا أنه في لغة طيىء جائز‏.‏

وفي لغة غيرهم‏:‏ لتغنين واللام لام الأمر أدخلها في المخاطبة، والكلام‏:‏ أغنن عني‏.‏ انتهى كلامه‏.‏

والرواية الأولى‏:‏ لتغني بكسر اللام وآخره ياء مفتوحة‏.‏ والثانية‏:‏ لتغنن بفتح اللام وكسر النون الأولى وتشديد الثانية‏.‏ وقوله‏:‏ وفي لغة غيرهم‏:‏ لتغنين إلخ ‏.‏

يعني أن الياء لا تحذف في غير لغة طيئ إلا إذا كان أمراً للأنثى، وإذا كان أمراً لها فالفصيح أغنن عني، بصيغة الأمر لا بلام الأمر، وذلك بفتح الهمزة، وكسر النون الأولى وبعدها نون التوكيد‏.‏

وقد نقل أبو علي الفارسي كلام ثعلب برمته في المسائل البصريات، ونقله غيره أيضاً‏.‏

وقد نقل أبو علي في كتاب الشعر أيضاً أن ثعلباً روى لتغنن بفتح اللام وكسر النون الأولى‏.‏ وكذا روى العسكري في كتاب التصحيف عن المعمري عن ثعلب‏.‏

والبيت الثاني أيضاً خطاب لمذكر، بدليل ما قبله‏:‏

يا عمرو أحسن نماك الله بالرشد *** واقرأ سلاماً على الأنقاء والثمد

كذا أنشدهما ابن الأنباري في شرح المفضليات‏.‏ وبه يرد على الدماميني في الحاشية الهندية في زعمه أن قوله‏:‏ وابكن خطاب لامرأة، مع أن سياق كلام المغني يأباه، فإنه بعد أن روى‏:‏ لتغنن، قال‏:‏ وذلك على لغة فزارة في حذف آخر الفعل لأجل النون، إذا كان ياء تلي كسرة‏.‏ وأنشد البيت فإنه إذا كان إلخ طاب به مع امرأة كان المحذوف ضميراً، لا آخر الفعل‏.‏

فإنك إذا قلت ابكي يا هند، كانت الياء ضمير المخاطبة، وأنا لام الكلمة فهو محذوف لالتقاء الساكنين، وأصله‏:‏ تبكيين على وزن تفعلين تحركت الياء الأولى، وهي لام الفعل، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً، وحذفت لالتقاء الساكنين‏.‏

وأما الرواية الأولى لثعلب، وهي لتغني عني بكسر اللام وفتح الياء بدون توكيد، فقد نسبها الجمهور إلى أبي الحسن إلخ فش، منهم أبو علي في كتاب الشعر وغيره‏.‏ واختلف في لام كي، فمنهم من أجاز أن يتلقى بها القسم، ومنهم من منع‏.‏

قال ابن عصفور في شرح الجمل‏:‏ زعم أبو الحسن أن جواب القسم قد يكون لام كي مع الفعل، نحو‏:‏ تالله ليقوم زيد‏.‏ قال‏:‏ فعلى هذا يكون الجواب من قبيل المفرد، لأن لام كي إنما تنصب بإضمار أن‏.‏ وأن وما بعدها يتأول بالمصدر، فكأنك قلت‏:‏ تالله للقيام‏.‏

إلا أن العرب أجرت ذلك مجرى الجملة، لجريان الجملة بالذكر بعد لام كي، فوضعت ذلك لتفعل موضع لتفعلن‏.‏

وقال في شرح الإيضاح‏:‏ زعم أبو الحسن أن العرب قد تتلقى القسم بلام كي، وحمل على ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يحلفون لله لكم ليرضوكم‏}‏‏.‏

واستدل أبو علي في العسكريات على صحة ما ذهب إليه بقوله‏:‏

لتغني عني ذا إنائك أجمعا

قال أبو علي‏:‏ فإن قيل‏:‏ إن المقسم به إنما يكون جملة، وليس هذا بجملة، لأن أن والفعل في تقدير اسم مفرد‏.‏ قيل‏:‏ إنة ذلك لا يمنع من وقوعه موقع الجملة التي يقسم عليها، وإن كان مفرداً، وذلك أن الفعل والفاعل اللذين جريا في الصلة يسدان مسد الجملة لكن رجع أبو علي عن ذلك في التذكرة، والبصريات وقال‏:‏ إن ذلك لم يرد في كلام العرب‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يحلفون بالله‏}‏ الآية فاللام متعلقة بيحلفون، وليس القسم بمراد، إنما المراد إلخ بار عنهم بأنهم يحلفون أنهم ما فعلوا ذلك ليرضوا بحلفهم المؤمنين‏.‏

وكذا البيت يحتمل أن يكون لتغني متعلقاً بآليت على ما رواه أبو علي في البصريات، ولم يرد القسم، إنما أراد أن يخبر مخاطبه أنه قد آلى كي يشرب جميع ما في إنائه‏.‏

ورواه أبو علي‏:‏ قلت بالله حلفة ، ولا حجة فيه أيضاً، لاحتمال أن يكون بالله متعلقاً بفعل مضمر لا يراد به القسم، بل إلخ بار، ويكون قوله لتغني عني، متعلقاً به، والتقدير‏:‏ حلفت بالله كي تغني عني‏.‏

ويجوز أيضاً أن يكون المقسم عليه محذوفاً لدلالة الحال عليه، تقديره‏:‏ لتشربن لتغني عني‏.‏ وعلى هذا حمله أبو علي في التذكرة‏.‏ انتهى كلام ابن عصفور‏.‏

وكأن ابن هشام لم يطلع على كلام أبي علي في التذكرة والبصريات على رجوعه عن موافقة إلخ فش، فحكى عنه القول الأول في المغني، وقال‏:‏ أجاز أبو الحسن أن يتلقى القسم بلام كي، وجعل منه‏:‏ يحلفون بالله لكم ليرضوكم ، يقال‏:‏ المعنى‏:‏ ليرضنكم‏.‏ قال أبو علي‏:‏ وهذا عندي أولى من أن يكون متعلقاً بيحلفون والمقسم عليه محذوف‏.‏ انتهى‏.‏

وفي لتغني عني رواية أخرى، وهي فتح اللام والياء على إرادة النون إلخ فيفة، ونسبها ابن يعيش في شرح المفصل إلى إلخ فش، ولم أر من نسبها إليه غيره، والمنسوبة إليه هي الرواية بكسر اللام وفتح الياء على المشهور‏.‏

قال ابن يعيش‏:‏ أنشده أبو الحسن بفتح اللام للقسم، وفتح آخر الفعل على إرادة نون التوكيد وحذفها ضرورة‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا قال بعض أفاضل العجم في شرح أبيات المفصل‏.‏ وعلى هذه الرواية صدر كلامه السيد في شرح المفتاح ثم ذكر رواية كسر اللام‏.‏

وفي البيت شواهد أخر‏:‏ أحدها‏:‏ قوله قطني، وفي رواية قدني، وبه استشهد ابن الناظم بنون الوقاية لحفظ السكون عند البصريين، ومعناها عندهم‏:‏ حسب، ولأنها اسم فعل عند الكوفيين ومعناها‏:‏ يكفي‏.‏

ثانيها‏:‏ أن ذا بمعنى صاحب، وبه استشهد صاحب الكشاف عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنه عليم بذات الصدور‏}‏ من سورة الملائكة على أن ذات مؤنث ذو، وهو موضوع لمعنى الصحبة، لأن اللبن يصحب الإناء، والمضمرات تصحب الصدور، قال‏:‏ ذات الصدور‏:‏ مضمراتها، وهي تأنيث ذو في نحو قول أبي بكر رضي الله عنه‏:‏ ذو بطن بنت خارجة جارية ، وقوله‏:‏

لتغني عني ذا إنائك أجمعا

المعنى ما في بطنها من الحبل وما في إنائك من الشراب؛ لأن الحبل والشراب يصحبان البطن والإناء‏.‏

ألا ترى إلى قولهم‏:‏ معها حبل‏.‏ وكذلك المضمرات تصحب الصدور، وهي معها‏.‏ وذو موضوع لمعنى الصحبة‏.‏ انتهى‏.‏

ثالثها‏:‏ إضافة إناء إلى ضمير المخاطب للملابسة، قال الزمخشري في المفصل‏:‏ ويضاف الشيء إلى غيره بأدنى ملابسة بينهما‏.‏ وأنشد البيت وغيره‏.‏

قال ابن يعيش‏:‏ الشاهد فيه أنه أضاف الإناء إلى المخاطب لملابسته إياه وقت أكله منه، وشربه ما فيه من اللبن‏.‏ وذو الإناء‏:‏ ما فيه من لبنٍ ومأكول‏.‏ انتهى‏.‏

وفيه تقصير حيث قصر الملابسة على إضافة الإناء مع أنها جارية في إضافة ذا أيضاً، وقد نبه عليهما السيد في شرح المفتاح، قال‏:‏ فيه استشهادان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الإناء للمضيف، وقد أضافه إلى الضيف لملابسته إياه في شربه منه، وفي جعل هذه الملابسة بمنزلة إلخ تصاص الملكي مبالغة في إكرام الضيف واللطف‏.‏

والثاني‏:‏ أن ذا بمعنى صاحب وأريد به اللبن، وأضيف إلى الإناء لملابسته إياه لكونه فيه‏.‏ فهذه أيضاً إضافة لأدنى ملابسة‏.‏ انتهى‏.‏

رابعها‏:‏ التأكيد بأجمع، مع أنه لم يسبق بكل، وهو تأكيد لقوله‏:‏ ذا إناء، بمعنى اللبن‏.‏

وقوله‏:‏ إذا قال فاعله ضمير الغلام القليعي، وهو الضيف في بيت قبله كما يأتي‏.‏ وقوله‏:‏ قلت المتكلم هو الشاعر، وهو المضيف وأورده جماعة‏:‏ إذا قال قطني قال، منهم الزمخشري في المفصل، وتبعه السيد، فقال‏:‏ أي‏:‏ إذا قال الضيف‏:‏ حسبي ما شربت قال المضيف‏.‏ انتهى‏.‏

وهذا على أن الشاعر مخبر حاكٍ عن شخصين، فهو لا ضيف ولا مضيف‏.‏ وأورد بعض آخر‏:‏ إذا قلت قطني، قال‏:‏ فيكون الشاعر هو الضيف‏.‏ والصواب ما شرحناه أولاً كما يظهر من سياق القصيدة‏.‏

وقوله‏:‏ لتغني عني، قال ابن يعيش‏:‏ العرب تقول‏:‏ أغن عني وجهك، أي‏:‏ اجعله بحيث يكون غنياً عني لا يحتاج إلى رؤيتي‏.‏ يقول له الضيف‏:‏ حسبي ما شربت، فيقول له المضيف‏:‏ اشرب جميع ما في الإناء، ولا ترده علي‏.‏

وقال السيد‏:‏ أي لتبعدن ذا إنائك عني، ولتجعله في غنى مني، كأن الطعام محتاج إلى من يطعمه‏.‏

وقد نقل العيني في شرح البيت جميع كلام ابن هشام من غير زيادة عليه، ولم يعزه إليه‏.‏

والبيت من قصيدة لحريث بن عناب الطائي، أوردها ثعلب في أماليه، وهي‏:‏

عوى ثم نادى هل أحستم قلائص *** وسمن على الأفخاذ بالأمس أربعا

غلامٌ قليعيٌ يحف سباله *** ولحيته طارت شعاعاً مقزعاً

غلامٌ أضلته النبوح فلم يجد *** بما بين خبتٍ فالهباءة أجمعا

أناساً سوانا فاستمانا فلم يرى *** أخا دلجٍ أهدى بليلٍ وأسمعا

فقلت أجراً ناقة الضيف إنني *** جديرٌ بأن تلقى إنائي مترعا

فما برحت سحواء حتى كأنم *** تغادر بالزيزاء برساً مقطعاً

كلا قادميها بفضل الكف نصفه *** كجلد الحبارى ريشه قد تزلعا

دفعت إليه رسل كوماء جلدةٍ *** وأغضيت عنه الطرف حتى تضلعا

إذا قال قطني قلت آليت حلفةً *** لتغني عني ذا إنائك أجمعا

يدافع حيزوميه سخن صريحه *** وحلقاً تراه للثمالة مقنعا

إذا عم خرشاء الثمالة أنفه *** تقاصر منا للصريح وأقمعا

هذا آخر ما أورده ثعلب‏.‏

وقوله‏:‏ عوى ثم نادى إلخ ، فاعل عوى هو غلام في أول البيت الذي بعده‏.‏ يريد أن هذا الغلام شردت له قلائص أربع، فخرج في طلبها حتى أظلم عليه الليل، فضل عن الطريق، فعوى حتى سمعت الكلاب صوته فنبحته، فاستدل بصوتها علينا، فجاء، فسأل عن قلائصه‏.‏

قال السيد المرتضى رحمه الله في أماليه‏:‏ إن العرب تزعم أن ساري الليل إذا أظلم عليه وادلهم، فلم يستبن محجة، ولم يدر أين الحلة، أي‏:‏ القوم النزول، وضع وجهه مع الأرض وعوى عواء الكلب، لستمع ذلك الصوت الكلاب إن كان الحي قريباً منه فتجيبه فيقصد الأبيات‏.‏

قال الفرزدق‏:‏ الطويل

وداعٍ بلحن الكلب يدعو ودونه *** من الليل سجفا ظلمةٍ وغيومها

دعا وهو يرجو أن ينبه إذ دع *** فتى كابن ليلى حين غارت نجومها

بعثت له دهماء ليست بلقحةٍ *** تدر إذا ما هب نحساً عقيمها

ابن ليلى‏:‏ هو أبو الفرزدق‏.‏ ومعنى بعثت له دهماء، أي‏:‏ رفعتها على أثافيها، ويعني بالدهماء القدر‏.‏ واللقحة‏:‏ الناقة‏.‏

أراد أن قدره تدر إذا هبت الريح عقيماً لا مطر فيها‏.‏ وما أحسن قول ابن هرمة‏:‏ الطويل

ومستنبحٍ يستكشط الريح ثوبه *** ليسقط عنه وهو بالثوب معصم

عوى في سواد الليل بعد اعتسافه *** لينبح كلبٌ وليفزع نوم

فجاوبه مستسمع الصوت للقرى *** له مع إتيان المهبين مطعم

يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبل *** يكلمه من حبه وهو أعجم

يقال‏:‏ فزعت لفلان، إذا أغثته‏.‏ والمهبون‏:‏ الموقظون له ولأهله، وهم الأضياف‏.‏ وإنما كان له معهم مطعم، لأنهم ينحر لهم ما يصيب منه‏.‏ وأراد بقوله‏:‏ يكلمه من حبه إلخ ، بصبصته وتحريكه ذنبه‏.‏

ومثله قوله أيضاً‏:‏ الكامل

وإذا أتانا طارقٌ متنورٌ *** نبحت فدلته علي كلابي

وفرحن إذ أبصرنه فلقينه *** يضربنه بشراشر الأذناب

يقال‏:‏ شرشر الكلب، إذا ضرب بذنبه وحركه للأنس‏.‏

وأما قول إلخ طل‏:‏ الطويل

دعاني بصوتي واحدٍ فأجابه *** منادٍ بلا صوتٍ وآخر صيت

فمعناه‏:‏ أن ضيفاً عوى بالليل والصدى من الجبل يجيبه، فذلك معنى قوله‏:‏ بصوتي واحد‏.‏

وقوله‏:‏ فأجابه منادٍ بلا صوت، أي‏:‏ نار رفعها له فرأى سناها فقصدها‏.‏ والآخر‏:‏ الصيت‏:‏ الكلب، لأنه أجاب عواءه‏.‏

وقوله‏:‏ هل أحستم قلائص، قال ثعلب‏:‏ يريد أحسستم‏.‏ انتهى‏.‏

قال الجوهري‏:‏ وربما قالوا‏:‏ ما أحست منهم أحداً، فألقوا أحد السينين استثقالاً، وهو من شواذ التخفيف‏.‏ انتهى‏.‏

وهو من أحس الرجل الشيء إحساساً‏:‏ علم به، يتعدى بنفسه مع الألف، وربما زيدت الباء، فقيل‏:‏ أحس به، على معنى شعر به‏.‏ كذا في الصباح‏.‏

والقلائص‏:‏ جمع قلوص، وهي الناقة الشابة‏.‏ وجملة وسمن على الأفخاذ‏:‏ صفة قلائص، من الوسم، وهو العلامة بكي حديدة محماة‏.‏ وأربعاً‏:‏ صفة ثانية لقلائص‏.‏

وقوله‏:‏ غلام قليعي الغلام يطلق على الرجل مجازاً باسم ما كان عليه، كما يقال للصغير شيخ مجازاً باسم ما يؤول إليه‏.‏ كذا في المصباح‏.‏

وقليعي منسوب إلى قليع بضم القاف وفتح اللام، وهي قبيلة، وهو منسوب إلى القليعة مصغر قلعة، وهي موضع في طرف الحجاز، واسم مواضع أخر‏.‏

وقوله‏:‏ يحف سباله بالحاء المهملة، يقال‏:‏ حف الرجل شاربه حفاً من باب قتل، إذا أحفاه، أي‏:‏ بالغ في قصه‏.‏ والسبال، بالكسر‏:‏ الشارب‏.‏

والشعاع، بالفتح‏:‏ المتفرق، يستوي فيه المذكر والمؤنث‏.‏ والمقزع، بالقاف وفتح الزاي المشددة‏:‏ المفتول‏.‏

يعني أن لحيته من الهواء والبرد تفرقت وصارت كالفتائل‏.‏ وهو من القزع بفتحتين‏.‏ قال الأزهري‏:‏ وكل شيء يكون قطعاً متفرقة فهو قزع‏.‏ ونهي عن القزع، وهو حلق بعض الرأس دون بعض‏.‏

وقوله‏:‏ غلام أضلته النبوح، أي‏:‏ هو غلام‏.‏ وأضلته‏:‏ أضاعته‏.‏ والنبوح بضم النون والموحدة وحاء مهملة‏:‏ ضجة الحي وأصوات كلابهم، وخبت، بفتح إلخ اء المعجمة وسكون الموحدة‏:‏ اسم كاء لكلب، وقيل‏:‏ لكندة، وموضع آخر‏.‏

والهباءة، بفتح الهاء والموحدة وبالمد‏:‏ موضع في أطراف الربذة خارج المدينة المنورة، وكانت فيه حرب من حروب داحس لعبس على ذبيان‏.‏

وقوله‏:‏ أناساً هو مفعول قوله‏:‏ فلم يجد، وسوانا‏:‏ صفته، أي‏:‏ غيرنا‏.‏ وقوله‏:‏ فاستمانا قال ثعلب‏:‏ أي‏:‏ تصيدنا‏.‏ والمستمي‏:‏ المتصيد‏.‏ والمسماة‏:‏ جورب يلبسه الصائد في الحر‏.‏ انتهى‏.‏

يريد‏:‏ أنه ظفر بنا كما يظفر بالصيد‏.‏ وهذا تمثيل لشدة احتياجه من هول ما قاساه في الليل من الظلام، والبرد والضلال، فلما وجدنا فكأنما ظفر بخزائن قارون‏.‏ وهو من السمو، وهو العلو والرفعة‏.‏

قال صاحب الصحاح‏:‏ والسماة‏:‏ الصيادون، مثل الرماة‏.‏ وقد سموا واستموا، إذا خرجوا للصيد‏.‏

وقوله‏:‏ فلم يرى هذه الألف نشأت من إشباع فتحة الراء، وهو بالبناء للمفعول بمعنى يعلم، والضمير فيه للغلام‏.‏ وأخا بمعنى صاحب مفعوله الثاني‏.‏

والدلج بفتحتين‏:‏ اسم مصدر من أدلج إدلاجاً، كأكرم إكراماً، أي‏:‏ سار الليل كله‏.‏ فإن خرج آخر الليل فقد أدلج بتشديد الدال‏.‏ كذا في الصباح‏.‏

وأهدى‏:‏ أفعل تفضيل من الاهتداء إلى الطريق‏.‏ قال صاحب الصحاح‏:‏ هدى واهتدى بمعنى‏.‏ وكذا أسمع‏:‏ أفعل تفضيل، والمفضل عليه محذوف، أي‏:‏ منه‏.‏

وقوله‏:‏ فقلت أجراً هذا خطاب لخادميه‏.‏ وأجراً بفتح الهمزة وكسر الجيم‏:‏ أمر من أجررته رسنه، إذا تركته يصنع ما شاء‏.‏

يعني‏:‏ خذوا رسنها ودعوها تأكل ما شاءت‏.‏ وناقة الضيف‏:‏ الناقة التي جاء راكباً عليها‏.‏ وهذا من أخلاق الكرام، فإن إكرام دابة الضيف غاية الإكرام عند الضيف‏.‏

وقوله‏:‏ إنني جدير إلخ ، قال ثعلب‏:‏ أي من عادتي هذا‏.‏ انتهى‏.‏

وفاعل تلقى ضمير ناقة الضيف، وإنائي بالمد والإضافة إلى الياء‏.‏ والإناء‏:‏ الوعاء‏.‏ ومترع من ترعت الإناء بالتشديد، وأترعته، أي‏:‏ ملأته‏.‏ وهذا كناية عن إلخ صب والكثرة‏.‏

وقوله‏:‏ فما برحت، أي‏:‏ ناقة الضيف‏.‏ وسحواء بالنصب خبر برح، وسحواء بالمهملتين والمد، قال ثعلب‏:‏ أي ساكنة عند الحلب‏.‏ وتغادر‏:‏ تترك‏.‏

والزيزاء بكسر الياء الأولى والمد‏:‏ الموضع الصلب من الأرض‏.‏ والبرس بكسر الموحدة، وإهمال الراء والسين‏:‏ القطن، شبه ما سقط من اللبن به‏.‏ انتهى‏.‏

يعني‏:‏ مازالت ناقة الضيف ترعى وتأكل ما تشاء، حتى كثر اللبن من ضروعها، فصار ما تقاطر من لبنها في الأراضي الصلبة التي لم تتشرب النداوة، كالقطن المندوف‏.‏

وقوله‏:‏ كلا قادميها يفضل الكف‏:‏ مفعول مقدم، نصفه فاعل مؤخر‏.‏ والقادمان والقادمتان‏:‏ إلخ لفان المتقدمان من أخلاف الناقة اللذان يليان السرة‏.‏ يعني‏:‏ أن خلفاً من قادميها يفضل الكف، ولا يسعه، لحفله باللبن‏.‏

وقوله‏:‏ كجلد الحبارى بضم المهملة بعدها موحدة وبالقصر‏:‏ طائر على شكل الإوزة، برأسه وبطنه غبرة، ولون ظهره وجناحيه كلون السمانى غالباً‏.‏ كذا في المصباح‏.‏ وقوله‏:‏ تزلعا بالزاي واللام، قال ثعلب‏:‏ تزلع‏:‏ تقلع‏.‏ انتهى‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ تزلعت يده‏:‏ تشققت‏.‏ يريد أن جلد ضروعها تشقق من حفل اللبن، كجلد الحبارى، إذا تساقط ريشه‏.‏ وخص الحبارى لأن اللون يجمعهما‏.‏

وقوله‏:‏ دفعت إليه إلخ ، أي‏:‏ إلى الغلام الضيف‏.‏ ذكر إكرام ناقته أولاً، ثم ذكر إكرامه‏.‏ والرسل، بكسر الراء، قال ثعلب‏:‏ هو اللبن‏.‏ انتهى‏.‏

والكوماء، بفتح الكاف والمد‏:‏ الناقة العظيمة السنام‏.‏ والجلدة، بفتح الجيم وسكون اللام، قال صاحب الصحاح‏:‏ هي أدسم الإبل لبناً، والجمع الجلاد بالكسر‏.‏

وقوله‏:‏ وأغضيت، يقال‏:‏ أغصنى الرجل عينه، أي‏:‏ قارب بين جفنيها‏.‏ يقول‏:‏ أغمضت عيني عند شربه، لئلا يستحي أن يشرب رياً‏.‏ وهذا أيضاً من أخلاق الكرام‏.‏ والطرف‏:‏ العين‏.‏ وتضلع، قال ثعلب‏:‏ امتلأ ما بين أضلاعه‏.‏

وقوله‏:‏ إذا قال قطني‏.‏‏.‏ إلخ ، قال ثعلب قطني‏:‏ حسبي، أي‏:‏ قلت قد حلفت أن تشرب جميع ما في إنائك‏.‏ انتهى‏.‏

وقوله‏:‏ يدافع حيزوميه، قال ثعلب‏:‏ حيزوماه‏:‏ ما اكتنف حلقومه من جانبي الصدر‏.‏ انتهى‏.‏

والسخن‏:‏ الحار‏.‏ والصريح‏:‏ اللبن الذي ذهبت رغوته‏.‏ والثمالة بضم المثلثة قال ثعلب‏:‏ هي رغوة اللبن‏.‏ يريد‏:‏ أنه يرفع حلقه لاستيفاء اللبن‏.‏ انتهى‏.‏

ومقنع‏:‏ اسم مفعول من أقنع رأسه، إذا رفعه‏.‏ كذا في الصحاح‏.‏

وقوله‏:‏ إذا عم خرشاء إلخ ، إلخ رشاء بكسر إلخ اء المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها شين معجمة‏.‏ قال صاحب الصحاح‏:‏ إلخ رشاء كالحرباء‏:‏ كل شيء فيه انتفاخ وتفتق وخروق‏.‏

قال مزرد‏:‏ الطويل

إذا مس خرشاء الثمالة أنفه *** ثنى مشفريه للصريح فأقنعا

يعني بها الرغوة‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا في العباب‏.‏ فإن صح أن هذا البيت لمزرد يكون ابن عناب الطائي أخذه منه‏.‏

ولم يتعرض له ابن بري، ولا الصفدي فيما كتباه على الصحاح بشيء‏.‏ والله أعلم‏.‏

وعم بمعنى‏:‏ شمل‏.‏ وخرشاء‏:‏ فاعل، وأنفه‏:‏ مفعول‏.‏ وتقاصر منها للصريح أي‏:‏ تراجع من الثمالة إلى الصريح فشربه كله‏.‏ يقال‏:‏ أقمعت ما في السقاء، أي‏:‏ شربته كله‏.‏ كذا في العباب عن الأموي‏.‏

وأقنعا في بيت مزرد بمعنى رفع رأسه كما تقدم‏.‏ والمشفران‏:‏ الشفتان‏.‏ وثنى‏:‏ عطف‏.‏

هذا وحريث بن عناب بضم الحاء المهلمة وآخره ثاء مثلثة، وعناب بفتح العين المهلمة وتشديد النون، كذا ضبطه العسكري في كتاب التصحيف عن المعمري عن ثعلب‏.‏ والجوهري في الصحاح، والصاغاني في العباب‏.‏

قال الأصفهاني في الأغاني‏:‏ هو حريث بن عناب النبهاني، وهو نبهان بن عمرو بن الغوث بن طيئ، وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وليس بمذكور في الشعراء، لأنه كان بدوياً مقلاً غير متصد بشعر للناس في مدحٍ ولا هجاء، ولا كان يعدو بشعره أمر ما لا يخصه، ثم أورد له أشعاراً وحكايات‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد الرابع والخمسون بعد التسعمائة

المنسرح

لا تهين الفقير علك أن *** تركع يوماً والدهر قد رفعه

على أن نون التوكيد إلخ فيفة تحذف لالتقاء الساكنين، والأصل‏:‏ لا تهينن الفقير، فحذفت النون، وبقيت الفتحة دليلاً عليها، لكونها مع المفرد المذكر‏.‏ فإن لم تلاق النون ساكناً فلا تحذف إلا للضرورة‏.‏

ورواه الجاحظ في البيان‏:‏ لا تحقرن الفقير ورواه غيره‏:‏ ولا تعاد الفقير، فلا شاهد فيه‏.‏

قال ابن عصفور في كتاب الضرائر‏:‏ وذلك نحو ما أنشده أبو زيد في نوادره‏:‏ المنسرح

اضرب عنك الهموم طارقه *** ضربك بالسيف قونس الفرس

قال ابن خروف‏:‏ إنما جاز ذلك على التقديم والتأخير، فتوهم اتصال النون من اضربن بالساكن بعده‏.‏ والصحيح أنه حذفها تخفيفاً لما كان حذفها لا يخل بالمعنى، وكانت الفتحة التي في الحرف قبلها دليلةً عليها‏.‏ ويدل على صحة ذلك قول الشاعر، أنشده الجاحظ في البيان له‏:‏ الطويل

خلافاً لقولي من فيالة رايه *** كما قيل قبل اليوم خالف تذكرا

يريد‏:‏ خالفن‏.‏

وقوله إلخ ر، أنشده الفارس‏:‏ البسيط

إن ابن أحوص مغرورٌ فبلغه *** في ساعديه إذا رام العلا قصر

يريد‏:‏ فبلغنه‏.‏

وقول إلخ ر‏:‏ السريع

يا راكباً بلغ إخوانن *** من كان من كندة ووائل

يريد‏:‏ بلغن إخواننا‏.‏

ألا ترى أن النون من خالفن، وبلغنه، وبلغن لا يمكن أن يقال إنها حذفت على توهم اتصالها بساكن‏.‏ ومثل ذلك ما أنشده أبو زيد في نوادره‏:‏ الرجز

في أي يومي من الموت أفر *** أيوم لم يقدر أم يوم قدر

يريد‏:‏ لم يقدرن، ودخلت النون على الفعل المنفي بلم كما دخلت عليه في قول إلخ ر‏:‏

يحسبه الجاهل ما لم يعلما

ولا يجوز مثل هذا في سعة الكلام إلا شاذاً، نحو قراءة أبي جعفر المنصور‏:‏ ألم نشرح لك صدرك‏:‏ بفتح الحاء‏.‏

والبيت من أبيات للأضبط بن قريع السعدي، أوردها القالي في أماليه عن ابن دريد عن ابن الأنباري عن ثعلب‏.‏ قال ثعلب‏:‏ بلغني أنها قيلت قبل الإسلام بدهر طويل‏.‏ وهي‏:‏ المنسرح

لكل هم من الهموم سعه *** والمسي والصبح لا فلاح معه

ما بال منسره مصابك لو *** يملك شيئاً من أمره وزعه

أذود عن حوضه ويدفعني *** يا قوم من عاذري من إلخ دعه

حتى إذا ما انجلت عمايته *** أقبل يلحى وغيه فجعه

قد يجمع المال غير آكله *** ويأكل المال غير من جمعه

فاقبل من الدهر ما أتاك به *** من قر عيناً بعيشه نفعه

وصل حبال البعيد، إن وصل ال *** حبل وأقص القريب إن قطعه

ولا تعاد الفقير علك أن *** تركع يوماً والدهر قد رفعه

انتهى‏.‏

ورواها أيضاً ابن الأعرابي، والجاحظ، وصاحب الحماسة البصرية، والشريف في حماسته، وابن قتيبة في كتاب الشعراء، وصاحب الأغاني وغيرهم، بتقديم بعضها على بعض وطرح أبيات منها‏.‏

قال الجوهري‏:‏ المسي بضم الميم وكسرها وسكون السين‏:‏ اسم من الإمساء‏.‏ والصبح‏:‏ اسم من الإصباح‏.‏ وأنشد هذا البيت‏.‏ والفلاح‏:‏ البقاء‏.‏ وروي به أيضاً‏.‏

وقوله‏:‏ ما بال من سره مصابك إلخ ، المصاب، بالضم‏:‏ المصيبة‏.‏

وروي أيضاً‏:‏ ما بال من غيه مصيبك‏.‏ والغي‏:‏ إلخ يبة والحرمان‏.‏ ويقال‏:‏ غوى من باب رمى‏.‏

قال المرقش‏:‏ الطويل

فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

وجملة‏:‏ لو يملك من الشرط والجزاء حالية، ويروى‏:‏ لا موضع لو وهو غير صحيح‏.‏ ووزعه يزعه وزعاً‏:‏ كفه ومنعه، بالزاي المعجمة‏.‏

يقول‏:‏ ما بال من تتألم لخيبته وفقره،فإذا وجد شيئاً من إلخ ير كفه عنك‏.‏ وقوله‏:‏ أذود عن حوضه هذا مثل للحماية، ودفع المكروه عنه‏.‏

والخدعة، بضم إلخ اء المعجمة وفتح الدال‏:‏ بطن من بني سعد بن زيد مناة ابن تميم وهم قومه‏.‏ قاله صاحب الأغاني وغيره‏.‏

والعماية، بفتح العين المهملة‏:‏ الشدة التي تلتبس منها الأمور‏.‏ يقال‏:‏ عمي عليه الأمر‏:‏ إذا التبس‏.‏

وأقبل‏:‏ شرع، ويلحى‏:‏ يلوم‏.‏ وغيه‏:‏ ضلاله‏.‏ وفجعه‏:‏ أصابه بمكروه‏.‏

وقوله‏:‏ وصل حبال البعيد، يعني‏:‏ تقرب إلى البعيد من النسب إذا طلب قربك، واهجر القريب من نسبك إذا هجرك‏.‏ وما قاله تمثيل لما قلنا‏.‏

وقوله‏:‏ لا تهين الفقير إلخ ، الإهانة‏:‏ الإيقاع في الهون بالضم، والهوان بالفتح، وهما بمعنى الذل والحقارة‏.‏ وعل بفتح اللام وكسرها‏:‏ لغة في لعل، وهي هنا بمعنى عسى‏.‏

ومثله في المعنى قول إلخ ر‏:‏ الطويل

عسى سائلٌ ذو حاجةٍ إن منعته *** من اليوم سؤالاً أن يكون له غد

واستشهد بهذا البيت في التفسير عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واركعوا مع الراكعين‏}‏ على أن الركوع هو إلخ ضوع والانقياد، كما في البيت‏.‏

وجملة والدهر قد رفعه‏:‏ حال من ضمير تركع‏.‏

وقال العيني‏:‏ الركوع‏:‏ الانحناء والميل، ومن ركعت النخلة إذا انحنت ومالت‏.‏ أراد به الانحطاط من المرتبة، والسقوط من المنزلة‏.‏ انتهى‏.‏

ونقل الشيخ خالد في التصريح أن هذا الشعر قيل قبل الإسلام بخمسمائة عام‏.‏

وكان سبب هذا الشعر على ما في الأغاني عن أبي ملحم، أن أم الأضبط كانت عجيبة بنت دارم بن مالك بن حنظلة، وخالته الطموح بنت دارم‏.‏

فحارب بنو الطارح قوماً من بني سعد، فجعل الأضبط يدس إليهم إلخ يل والسلاح، ولا يصرح بنصرهم، خوفاً من أن يتحزب قومه حزبين معه وعليه، وكان يشير عليهم بالرأي، فإذا أبرمه نقضوه، وخالفوا عليه، وأروه مع ذلك أنهم على رأيه، فقال في ذلك هذه الأبيات‏.‏

وهو الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم‏.‏ وقريع بضم القاف وفتح الراء، هو أبو جعفر، الملقب بأنف الناقة أيضاً‏.‏

قال ابن قتيبة في كتاب الشعراء‏:‏ الأضبط بن قريع السعدي هو من عوف ابن كعب بن سعد رهط الزبرقان بن بدر، ورهط بني أنف الناقة‏.‏ وكان قومه أساؤوا مجاورته، فانتقل منهم إلى غيرهم، فرجع إلى قومه، وقال‏:‏ بكل وادٍ بنو سعد ‏.‏ وهو جاهلي قديم‏.‏

وكان أغار على بني الحارث بن كعب فقتل منهم، وأسر وجدع، وخصى، ثم بنى أطماً، وبنت الملوك حول ذلك الأطم مدينة صنعاء، فهي اليوم قصبتها‏.‏ وهو القائل‏:‏

يا قوم من عاذري من إلخ دعه

وأول الشعر‏:‏

لكل ضيقٍ من الأمور سعه

مع أربعة أبيات أخر‏.‏ انتهى‏.‏

وزعم خضر الموصلي أن أول هذا الشعر عند ابن قتيبة هو المصراع المتقدم‏.‏ وليس كذلك كما ترى‏.‏

قال صاحب الأغاني‏:‏ كان الأضبط بن قريع مفركاً، بتشديد الراء المفتوحة، وهو الذي تبغضه زوجته‏.‏ وكان في الحرب يتقدم أمام الصف، ويقول‏:‏ الرجز

أنا الفتى تفركه حلائله *** ألا فتىً معشقٌ أنازله

واجتمع نساؤه ليلةً يتسامرن، فتعاقدن على أن يصدقن إلخ بر عن فرك الأضبط، فأجمعن أن ذلك لأنه بارد الكمرة، فقالت لإحداهن خالتها‏:‏ أفتعجز إحداكن إذا كانت ليلتها أن تسخن كمرته بشيء من دهن‏.‏

فلما سمع قولها صاح‏:‏ يا آل عوف‏!‏ فثار الناس وظنوا أنه قد أتي فتسارعوا إليه‏.‏ فقالوا‏:‏ ما بالك‏؟‏ فقال‏:‏ أوصيكم أن تسخنوا الكمر، فإنه لا حظوة لبارد الكمرة‏.‏ فانصرفوا ضاحكين، وقالوا‏:‏ تباً لك، ألهذا دعوتنا‏.‏ انتهى‏.‏

ونقل السيوطي في شرح أبيات المغني عن الحماسة البصرية أن الأضبط ابن قريع السعدي من شعراء الدولة الأموية‏.‏ ولم يتعقبه بشيء‏.‏ وهذا عجيب منه‏.‏

والأضبط معناه في اللغة‏:‏ الذي يعمل بكلتا يديه‏.‏ والمرأة ضبطاء‏.‏ يقال‏:‏ صبط الرجل بالكسر، يضبط بالفتح ضبطاً بالسكون‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

وحاتم الطائي وهاب المئي

وتقدم شرحه في الشاهد الرابع والأربعين بعد إلخ مسمائة‏.‏ وفي غيره أيضاً‏.‏

هاء السكت

أنشد فيه،

الشاهد إلخ امس والخمسون بعد التسعمائة

الرجز

يا مرحباه بحمار عفراء

على أن هاء السكت فيه قد روي بالوجهين بالضم والكسر‏.‏

وظاهر كلامه أن تحريكها بما ذكر في إثباتها وصلاً بعد الألف لغة‏.‏ وتقدم منه في باب الندية أن ثبوتها في الوصل مكسورة، ومضمموة ضرورة عند البصريين، وجائز عند الكوفيين‏.‏ وزاد هنا أنها بعد الواو أيضاً تكسر وتضم، وأنها بعد ألف تفتح أيضاً‏.‏

وذكر في باب العلم أن جواز تحريكها بالضم والكسر في السعة، إنما هو في‏:‏ يا هناه وأخواته‏.‏ فوجب أن يحمل ما هنا على ما تقدم من كلاميه ليوافق كرمه في جميع المواضع مذهب البصريين‏.‏

وكان ينبغي أن يقدم الكسر على الضم، فإنه الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وأما التحريك بالضم تشبيهاً بهاء الضمير، فهو أردأ الوجهين‏.‏

وتقدم في الشاهد السابع والأربعين بعد المائة توجيه تحريكها في الوصل من إلخ صائص لابن جني، بأنه منزلة بين منزلتي الوقف والوصل‏.‏

وذهب ابن جني في بعض كتبه وهو شرح ديوان المتنبي إلى أن تحريكها شاذ ضعيف عند البصريين، لا يثبتونه في الرواية، ولا يحفظونه في القياس، من جهة أنه لايخلو من أن تجري الكلمة على حد الوقف، وعلى حد الوصل‏.‏

فإن أجراها على حد الوصل، فسبيله أن يحذف الهاء وصلاً لاستغنائه عنها‏.‏ وإن كان على حد الوقف، فقد خالف ذلك بإثباته إياها متحركة، وهي في الوقف بلا خلاف ساكنة، ولا يعلم هنا منزلة بين الوصل والوقف يرجع إليها، وتجري هذه الكلمة عليها‏.‏ فلهذا كان إثبات الهاء المتحركة خطأ عندنا‏.‏ انتهى‏.‏

وقد رجع عن هذا في إلخ صائص كما نقلناه هناك‏.‏

وقوله‏:‏ إثبات الهاء متحركة خطأ، تبعه فيه الزمخشري في المفصل، قال‏:‏ وتحريكها لحن‏.‏

وكذا قال صاحب اللباب‏.‏ وهذا مما لا ينبغي، فإن العرب معصومون عن إلخ طأ واللحن في الألفاظ حتى قيل‏:‏ إن البدوي لا يطاوعه لسانه في ذلك‏.‏

والبيت الشهد لعروة بن حزام العذري، وهو من صميم العرب في صدر الإسلام‏.‏

ومن شعره أيضاً قوله‏:‏ الرجز

يا رب يا رباه إياك أسل *** عفراء يا رباه من قبل الأجل

وكذا قال المجنون قيس العامري، وهو من اللسان بمكان‏:‏ الطويل

فقلت أيا رباه أول سؤلتي *** لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها

ومثل هذا مما يقع نظماً لا نثراً ضرورة‏.‏

وقوله‏:‏

يا مرحباه بحمار عفراء

بعده‏:‏ الرجز

إذا أتى قربته لما شاء *** من الشعير والحشيش والماء

عفراء‏:‏ هي محبوبة عروة بن حزام العذري‏.‏ قال عيسى بن إبراهيم الربعي في نظام الغريب، وهو تأليف قديم في اللغة‏:‏ ولد الظبية، سمي بذلك لأن لونه لون العفر، وهو التراب، لذلك قيل‏:‏ ظبي أعفر، وظبية عفراء، وبه سميت المرأة عفراء‏.‏ وأنشد هذه الأبيات الثلاثة‏.‏

وقال ابن يعيش‏:‏ كان عروة يحب عفراء، وفيها يقول‏:‏

يار ب يا رباه إياك أسل

ثم خرج فلقي حماراً عليه امرأة فقيل له‏:‏ هذا حمارعفراء‏.‏ فقال‏:‏

يا مرحباه بحمار عفراء إلخ

فرحب بحمارها لمحبته لها، وأعد له الشعير والحشيش والماء‏.‏

ونظير معناه قول إلخ ر‏:‏ الوافر

أحب لحبها السودان حتى *** أحب لحبها سود الكلاب

انتهى‏.‏

ولم أجد هذا الرجز في ديوان عروة، ولعله ثابت فيه من رواية أخرى‏.‏ وتقدمت ترجمته في الشاهد السادس والتسعين بعد المائة‏.‏

وقالوا في هذه الأبيات‏:‏ يجوز أن تروى بالمد والقصر، فإذا مدت كانت من الضرب إلخ امس من السريع المشطور المخبون الموقوف‏:‏ فعولان ومفاعيل‏.‏

ومثله‏:‏ الرجز

يمتسكون من حذار الإلقاء *** بتلعاتٍ كجذوع الصيصاء

وإذا قصرت كانت من الضرب السادس من مشطور السريع المخبون‏.‏

وأما قوله‏:‏ يا رب يا رباه إياك أسل فقد تقدم شرحه في الشاهد الثاني والثلاثين بعد إلخ مسمائة‏.‏

وأما قول إلخ ر‏:‏ الرجز

يا مرحباه بحمار ناجيه *** إذا دنا قربته للسانيه

فقد تقدم شرحه في الشاهد السابع والأربعين بعد المائة‏.‏

شين الكشكشة

أنشد فيه،

الشاهد السادس والخمسون بعد التسعمائة

الرجز

تضحك مني أن رأتني أحترش *** ولو حرشت لكشفت عن حرش

على أن ناساً من تميم ومن أسد يجعلون مكان الكاف المؤنث شيناً في الوقف، كما في حرش، وأصله حرك‏.‏

قال المبرد في الكامل‏:‏ بنو عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها، أبدلت منها شيناً، لقرب الشين من الكاف في المخرج، فإنها مهموسة مثلها، فأرادوا البيان في الوقف، لأن في الشين تفشياً، فيقولون للمرأة‏:‏ جعل الله البركة في دارش‏.‏ والتي يدرجونها يدعونها كافاً‏.‏ انتهى‏.‏

وربما فعلوا هذا في الكاف الأصلية المكسورة، أنشد ثعلب في أماليه عن ابن الأعرابي‏:‏ الرجز

علي فيما أبتغي أبغيش *** بيضاء ترضيني ولا ترضين

وتطلبي ود بني أبيش *** إذا دنوت جعلت تنئيش

وإن نأيت جعلت تدنيش *** وإن تكلمت حثت في فيش

حتى تنقي كنقيق الديش

قال ثعلب‏:‏ يجعلون مكان الكاف الشين، وربما جعلوا بعد الكاف الشين والسين، يقولون‏:‏ إنكش وإنكش، وهي الكاف المكسورة لا غير، يفعلون هذا توكيداً لكسر الكاف بالشين والسين، كما يقولون‏:‏ ضربته وضربته، لقرب مخرجها منها‏.‏ انتهى‏.‏

والشاهد في قوله‏:‏ كنقيق الديش، فإن أصله الديك، وكاف أصليه، وفي جميع ما عداه الشين بدل من كاف المخاطبة‏.‏

والبيت الشاهد أنشده ابن الأعرابي في نوادره كما هنا‏.‏

وقوله‏:‏ أن رأتني إلخ ، بدل اشتمال من الياء المجرورة بمن‏.‏ والاحتراش‏:‏ صيد الضب خاصة، والعرب تأكله، قال صاحب العباب‏:‏ احترش الضب‏:‏ اصطاده‏.‏

وعن ثابت بن زيد الأنصاري، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل بضباب قد احترشها، فقال‏:‏ أمةٌ مسخت من بني إسرائيل دواب ، فقال‏:‏ لا أدري أي الدواب هي‏؟‏ فلم يأكلها، ولم ينه عنها‏.‏ انتهى‏.‏

ويقال أيضاً‏:‏ حرش الضب يحرشه حرشاً، من باب ضرب، أي‏:‏ صاده، فهو حارش الضباب‏.‏ وهو أن يحرك يده على جحر ليظنه حية، فيخرج ذنبه ليضربها، فيأخذه‏.‏

وقال المفضل بن سلمة في كتاب الفاخر‏:‏ الحرش أن يؤتى إلى باب جحر الضب بأسود الحيات، فيحرك عند فم الجحر، فإذا سمع الضب حس الأسود خرج إليه ليقاتله، فيصاد‏.‏ انتهى‏.‏

والمشهور الأول‏.‏

ومما تحكي العرب عن الضب من أكاذيبهم، أنه إذا ولد للضب ولد، قال‏:‏ يا بني اتق الحرش‏.‏ قال‏:‏ وما الحرش‏؟‏ قال‏:‏ إذا سمعت حركةً بباب الجحر فلا تخرج‏.‏

فسمع يوماً صوت فأس يحفر به جحرهما، فقال‏:‏ يا أبت أهذا الحرش‏؟‏ فقال‏:‏ هذا أجل من الحرش، فصار مثلاً يضرب لمن يخاف شيئاً، فيقع في أشد منه‏.‏

وإنما ضحكت منه استخفافاً به لما رأته يصيد الضب، لأنه صيد العجزة والضعفاء‏.‏

ورواه الزجاجي في أماليه الوسطى كذا‏:‏

تعجبت لما رأتني أحترش

وقوله‏:‏ ولو حرشت التفات من الغيبة إلى إلخ طاب، يعني لو كنت تصيدين الضب لأدخلته في فرجك دون فمك إعجاباً به، وإعظاماً للذته‏.‏

والحر، بالكسر للمهملة‏:‏ فرج المرأة، وأصله حرح بسكون الراء، فحذفت الحاء إلخ يرة منه، واستعمل استعمال يدٍ ودم، ويدل عل أصله تصغيره وجمعه، فإنه يقال‏:‏ حريح وأحراح‏.‏

وقد يعوض من المحذوف راء فيقال‏:‏ حر بتشديد الراء‏.‏

ولم أقف على قائله ولا على تتمته‏.‏ والله أعلم‏.‏

وأنشد بعده‏:‏

الشاهد السابع والخمسون بعد التسعمائة

وهو آخر الشواهد‏:‏ الطويل

فعيناش عيناها وجيدش جيده *** سوى أن عظم الساق منش دقيق

عل أنه كان القياس في هذا الشين المبدلة من كاف المخاطبة أن تحذف في الدرج، لكنها أجريت في حاله الوصل مجرى حالة الوقف‏.‏

قال ابن جني في سر الصناعة‏:‏ ومن العرب من يبدل كاف المؤنث في الوقف شيناً، حرصاً على البيان، لأن الكسرة الدالة على التأنيث فيها تخفى في الوقف، فاحتاطوا للبيان بأن أبدلوها شيناً، فقالوا‏:‏ عليش، ومنش، ومررت بش‏.‏ وتحذف في الوصل‏.‏

ومنهم من يجر ي الوصل مجرى الوقف، فيبدل منه أيضاً‏.‏

وأنشدوا للمجنون‏:‏

فعيناش عيناها وجيدش جيدها

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلى البيت انتهى قال الفالي في شرح اللباب‏:‏ وإنما سميت هذه اللغة، أعني إلحاق الشين بالكاف الكشكشة لاجتماع الكاف والشين فيها‏.‏ وإنما كسرت الكافان في لفظ الكشكشة لحكاية الكسر، لكون الكاف للمؤنث‏.‏

ومنهم من يفتحهما على حد قولهم في التعبير عن بسم الله بالبسملة، وكذلك الكسكسة بالوجهين‏.‏

قال المبرد في الكامل‏:‏ حدثني من لا أحصي من أصحابنا، عن الأصمعي، عن شعبة عن قتادة، قال‏:‏ قال معاوية يوماً‏:‏ من أفصح الناس‏؟‏ فقام رجل من السماط، فقال‏:‏ قوم تباعدوا عن فراتيه العراق، وتيمانوا عن كسشكشة تميم، وتياسروا عن كسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة، ولا طمطمانية حمير‏.‏

فقال له معاوية‏:‏ من أولئك‏؟‏ فقال‏:‏ قومك يا أمير المؤمنين‏.‏ فقال له معاوية‏:‏ من أنت‏؟‏ قال‏:‏ رجل من جرم، قال الأصمعي‏:‏ وجرم من فصحاء الناس‏.‏

قوله‏:‏ تيامنوا عن كشكشة تميم، فإن بني عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث، فوقفت عليها أبدلت منها شيئاً، لقرب الشين من الكاف في المخرج، وأنها مهموسة مثلها، فأرادوا البيان في الوقف، لأن في الشين تفشياً‏.‏

فيقولون للمرأة‏:‏ جعل الله لك البركة في دارش، وويحك مالش‏.‏ فالتي يدرجونها يدعونها كافاً، والتي يقفون عليها يبدلونها شيناً‏.‏

وأما بكر فتختلف في الكسكسة، فقوم منهم يبدلون من الكاف سيناً كما فعل التميميون في الشين، وهم أقلهم‏.‏

وقوم يبينون حركة كاف المؤنث في الوقف بالشين فيزيدونها بعدها، فيقولون‏:‏ أعطيتكش‏.‏

وأما الغمغمة فقد تكون من الكلام وغيره، لأنه صوت لا يفهم تقطيع حروفه‏.‏ والطمطمة‏:‏ أن يكون الكلام مشبهاً لكلام العجم‏.‏ انتهى‏.‏

وكذا أورده الزمخشري في المفصل‏.‏

والسماط بالكسر‏:‏ الصف من الناس، والجانب‏.‏

قال ابن يعيش، قال‏:‏ جرمٌ بطنان من العرب‏.‏

أحدهما‏:‏ في قضاعة، وهي جرم بن زبان‏.‏

والآخر‏:‏ في طيئ، يوصفون بالفصاحة، والفراتية‏:‏ لغة أهل الفرات الذي هو نهر أهل الكوفة‏.‏ والفراتان‏:‏ الفرات ودجيل‏.‏

ويروى‏:‏ لخلخانية العراق واللخلخانية‏:‏ العجمة في المنطق، يقال‏:‏ رجل لخلخاني إذا كان لا يفصح، والغمغمة‏:‏ أن لا يتبين الكلام، وأصله أصوات الثيران عند الذعر، وأصوات الأبطال عند القتال‏.‏

وقضاعة‏:‏ أبو حي في اليمن، وهو قضاعة بن مالك بن سبأ‏.‏ والطمطمانية بضم الطاءين‏:‏ أن يكون الكلام مشبهاً لكلام العجم، يقال‏:‏ رجل من طمطم بكسر الطاءين، أي‏:‏ في لسانه عجمة لا يفصح‏.‏ والطمطماني مثله‏.‏

وحمير‏:‏ أبو قبيلة، وهو حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان‏.‏ ومنهم كانت الملوك الأول‏.‏ وصف هذا الجرمي قومه بالفصاحة، وعدم اللكنة، والتباعد عن هذه اللغات المستهجنة‏.‏ انتهى‏.‏

وأورد الحريري في درة الغواص هذ إلخ بر عن الأصمعي كذا، فقال‏:‏ قوم تباعدوا عن عنعنة تميم، وتلتلة بهراء وكشكشة ربيعة، وكسكسة بكر، ليس فيهم غمغمة قضاعة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ ‏.‏

قال‏:‏ وأراد بعنعنة تميم أن تميماً يبدلون من الهمزة عيناً، كما قال ذو الرمة‏:‏ البسيط

أعن ترسمت من خرقاء منزلةً

يريد‏:‏ أأن ترسمت‏.‏ وأما تلتلة بهراء فيكسرون حروف المضارعة فيقولون‏:‏ أنت تعلم‏.‏

وحدثني أحد شيوخي أن ليلى إلخ يلية ممن كانت تتكلم بهذه اللغة، وأنها استأذنت ذات يوم على عبد الملك بن مروان وبحضرته الشعبي، فقال له‏:‏ أتأذن لي يا أمير المؤمنين في أن أضحكك منها‏؟‏ قال‏:‏ افعل‏.‏

فلما استقر بها المجلس قال لها الشعبي‏:‏ يا ليلى ما بال قومك لا يكتنون‏؟‏ فقالت له‏:‏ ويحك أما نكتني‏؟‏ فقال‏:‏ لا والله، ولو فعلت لاغتسلت‏.‏ فخجلت عند ذلك واستغرب عبد الملك في الضحك‏.‏ انتهى المقصود منه‏.‏

ورأيت في أمالي ثعلب‏:‏ ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوازن، وتضجع قيس، وعجرفية ضبة وتلتلة بهراء‏.‏

فأما عنعنة تميم فإن تميماً تقول في موضع أن‏:‏ عن، تقول‏:‏ عن عبد الله قائم‏.‏ وأما تلتلة بهراء فإنها تقول‏:‏ تعلمون، وتفعلون، وتصنعون بكسر أوائل الحروف‏.‏

انتهى‏.‏

رجعنا إلى البيت الشاهد‏.‏ قال ابن المبرد في الكامل‏.‏ عين الإنسان مشبهة بعين البقرة، في كلامهم المنثور، وشعرهم المنظوم‏.‏

قال المجنون‏:‏

فعيناك عيناها وجيدك جيده *** ولكن عظم الساق منك دقيق

وقال إلخ ر‏:‏ الطويل

فلم تر عيني مثل سربٍ رأيته *** خرجن علينا من زقاق ابن واقف

طلعن بأعناق الظباء وأعين ال *** جآذر وامتدت لهن الروادف

انتهى‏.‏

فروي البيت على الأصل من غير إبدال، وهو المشهور في الرواية‏.‏ وكذا القالي في ذيل أماليه بسنده، قال‏:‏ كان مجنون بني عامر في بعض مجالسه، وكان يكثر الوحدة والتوحش، فمر به أخوه وابن عمه قد قنصا ظبيةً، فهي معهما، فقال‏:‏ البسيط

يا أخوي اللذين اليوم قد أخذ *** شبهاً لليلى بحبلٍ ثم غلاها

إني أرى اليوم في أعطاف شاتكم *** مشابها اشبهت ليلى فحلاها

فامتنعا بها منه، فهم بهما، وكان جلداً قبل ما أصيب به، فخافاه فدفعاها إليه، فأرسلها فولت تفر، ثم أقبلت تنظر إليه، فقال‏:‏ الطويل

أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني *** لك اليوم من وحشيةٍ لصديق

تفر وقد أطلقتها من وثاقه *** فأنت لليلى إن شكرت طليق

فعيناك عيناها وجيدك جيده *** ولكن عظم الساق منك دقيق

انتهى‏.‏

وقريب منه قول ذي الرمة‏:‏ الطويل

أرى فيك من خرقاء يا ظبية اللوى *** مشابه جنبت اعتلاق الحبائل

فعيناك عيناها ولونك لونه *** وجيدك إلا أنها غير عاطل

وتقدمت ترجمة المجنون في الشاهد التسعين بعد المائتين‏.‏

وهذا آخر الكلام على شرح الشواهد، الغزيرة الفوائد، والناظم للنكت الفرائد، والحاوي للطارف والتالد، والجامع بين الشوارد والأوابد، والحمد لله من البدء إلى إلخ تام، على توفيق هذا النظام، والتيسير إلى الإتمام، والبلوغ إلى المرام‏.‏

وأفضل الصلاة والسلام، على محمدٍ خير الأنام، وأفضل الرسل الكرام، وآله السادة الأعلام، وصحبه قادة الإسلام على تعاقب الليالي والأيام، وترادف الشهور والأعوام‏.‏

وكان ابتداء التأليف بمصر المحروسة في غرة شعبان من سنة ثلاث وسبعين وألف، وانتهاؤه في ليلة الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى إلخ رة من سنة تسع وسبعين، فيكون مدة التأليف ست سنين مع ما تخلل في أثنائها من العطلة بالرحلة، فإني لما وصلت إلى شرح الشاهد التاسع والستين بعد الستمائة سافرت إلى قسطنطينة، في الثامن عشر من ذي القعدة من سنة سبع وسبعين، ولم يتفق لي أن أشرح شيئاً إلى أن دخلت مصر المحروسة، وفي اليوم السابع من ربيع الأول من العام القابل، ثم شرعت في ربيع إلخ ر وقد يسر الله التمام، وحسن إلخ تام‏.‏

فله الحمد والمنة، وأسأله أن ينفع به، وأن يختم عملي بكل خير، ويدرأ عني كل ضير، وأن يفعل كذلك بجميع أحبائي، وسائر أودائي، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير‏.‏

وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى، ونعم النصير‏.‏

قاله بفمه، وزبرة بقلمه، مؤلفه الفقير إلى الله في جميع أحواله‏:‏ عبد القادر بن عمر البغدادي، لطف الله به وبأسلافه، وأولاده وأحبائه، وجميع المسلمين‏.‏ آمين‏.‏